مطار منغ العسكري الواقع على مسافة نحو 37 كيلومترا شمال حلب، والذي اعتبر بنظر كثير من السوريين بمثابة الأسطورة العسكرية في الصمود، تحول في الفترة الأخيرة، إلى أيقونة يتغزل بها وبملاحم أبطالها كتاب وشعراء وصحفيين، اليوم وبعد سيطرة المعارضة السورية عليه، أين نشوة الإنتصار لدى ألويتها وكتائبها، ولماذا اختفت علامات البهجة وخفتت التكبيرات وصيحات المقاتلين بعد دخولهم إليه؟!.
كلفة باهظة
أكثر من ١٢٥ هجوماً، خلال سنة وستة أشهر من إطلاق المعارضة لمعركة «المطارات» في شباط من العام الماضي، وبعد عشرة أشهر من الحصار المطبق على مطار منغ (بحسب عدنان صيادي من لواء عاصفة الشمال)، أي ٣٠٠ يوماً، من الهجمات، والقنص والمفخخات، التي كانت تقتحم أسوار المطار ومداخله، عند كل نقطة وبرج وخندق، وفي النهاية وبعدما تكهن كثيرون أن عدد الجنود المحاصرين بالمئات، يتضح أنهم لم يجاوزوا المئة، بل قرابة ٧٠ جندياً فقط تحصنوا في أحد أبنية المطار وقاتلوا حتى النهاية، ومعظمهم خرج سالماً في عملية معقدة كان للطيران السوري دور حاسم في انهاء فصولها.
بداية الهجوم والألوية المشاركة
عربتي بي أم بي مفخختين بأكثر من ٦ أطنان من المتفجرات قاد إحداها السعودي معاذ العبد الرحيم، اقتحمت المطار وتم تفجيرها قبل بدء الهجوم مباشرة، الذي شارك فيه أكثر من ٧ آلاف مقاتل، توزعوا على ألوية «عاصفة الشمال»، «لواء التوحيد» و«سيوف الشام» و«أمجاد الإسلام» و«صقور الشهباء» ولواء «الفتح» و«كتيبة البراء بن مالك» إلى جانب جيش «المهاجرين والأنصار» و«سيوف الشهباء» كما نشرت كل من ألوية مغاوير الشمال «لواء العراق الإسلامي» تسجيلات على يوتيوب تؤكد مشاركتها في المعركة.
تأكيد الكتائب والألوية مشاركتها في الهجوم على المطار، سارعت الى إثباته بنشر مقاطع فيديو لعناصرها وقيادييها داخل مباني ومدرجات المطار، فشاهدنا كتيبة تتشفى بالقتلى، وأخرى تشحن الغنائم في سيارات بيك آب، وآخر يعد الدبابات المحترقة بداخله، لكن الشيء الوحيد الذي لم نشاهده، هو احتفالات الانتصار التي اعتدنا مشاهدتها عند تحقيق هذه الكتائب والألوية أي إنجاز أو تقدم عسكري، كما غاب عن المشهد من أكدت وكالات عدة وقوفهم خلف «العملية الانتحارية» التي سبقت الهجوم، وقيادتهم للعدد الأكبر من المقاتلين المشاركين في المعركة ونعني «جيش المهاجرين والأنصار» بقيادة أبو عمر الشيشاني.
خلافات بين الألوية والكتائب
وحده لواء عاصفة الشمال تصدر الكاميرات والاحتفالات، وهو الذي اعتدنا مشاهدة قيادييه في استعراضات اعلامية مشابهة، من خطف اللبنانيين التسعة في أعزاز، إلى سيطرته على معبر باب السلامة وتحكمه بكافة مستلزمات العبور والتنقل بين سوريا وتركيا عن طريقه، ها هو اليوم يطلق اسم قائده عمار الداديخي (نجم تلفزيون الجديد) على المطار دون استشارة باقي الكتائب والألوية خاصة تلك التي كانت قد اقترحت وروجت لإطلاق اسم منفذ العملية الانتحارية السعودي معاذ العبد الرحيم عليه، فيثير غضبها ويبدأ تبادل الاتهامات فيما بينهم على صفحات التواصل الاجتماعي وبشكل علني ومفضوح.
كما لوحظ في أحد المقاطع المنشورة من قبل لواء عاصفة الشمال، قيامهم في وضح النهار بفبركة عملية تفجير لتسجيل مشهد ضرب إحدى الدبابات (التي لا تظهر في الصورة) والتي كانت متوجهة من المطار إلى «عفرين»، مع العلم أن قائدهم الميداني عدنان صيادي كان قد أكد خلال اتصال مع قناة «العربية» أن ضرب الدبابتين تم عند الساعة العاشرة ليلاً.
ويبدو أن فرحة لواء عاصفة الشمال بين أقرانه لن تدوم، فقد توسعت الاتهامات بينه وبين باقي الألوية والكتائب، وبدأ الحديث عن سرقة الانجازات يرتفع، وقد اتهم انصار «جيش المهاجرين والأنصار» اللواء بسرقة انجاز العملية الانتحارية بنشره للفيديو المسجل لها على موقعه دون أي ذكر لهم، فيما اتهم آخرون اللواء بالمسارعة الى «حصاد المغانم» ونقلها بالشاحنات الى أعزاز قبل تأمين المطار ومحيطه.
وقد لوحظ في الفيديوهات المسجلة الإرتباك الشديد أمام جثث القتلى، حيث تم عرض جثث قتلى المسلحين على انها للجنود السوريين، فيما كان المصور يغير اتجاه الكاميرا عندما تلتقط عدستها مشهد جثث المقاتلين التي كانت لا تزال ملقاة على الأرض وسط انشغال المسلحين في التقاط الصور وتعداد الغنائم ونوعيتها.
المطار خالي !
أما الإرباك الأكبر الذي وقع فيه المسلحون، فهو ادراكهم بعد فوات الآوان أن معظم الجنود الذين صمدوا طوال الوقت داخل المطار قد نجحوا بكسر الحصار والخروج ضمن رتل من ٥ دبابات وصلت أربع منها الى بلدة عفرين ومنها إلى مكان آمن دون أن يستطيع المسلحون تدميرها، أو اصابتها، فاستعاضوا عن ذلك بتسجيل مشاهد تفجير لا تدل إلا على خيبة أكبر، سببها صمود الجنود ونجاحهم بالفرار من طوق الحصار المحكم.
السبب الآخر للإرباك وضياع نشوة الانتصار، كان تأكيد سقوط عدد كبير من المسلحين قتلى خلال الهجوم، حيث أكدت مصادر عسكرية سورية، أنه وبعد تأمين انسحاب الجنود المرابطين في المطار، قامت قاذفات سلاح الجو السوري بعمليات إغارة دقيقة على تجمعات المسلحين أدت إلى إيقاع خسائر فادحة بينهم، فيما تولت وحدات الصواريخ امطار المنطقة بصواريخ أرض - أرض، ساهمت في رفع خسائر المجموعات المسلحة وتدفيعها ثمناً باهظاً لتجد بعد دخولها المطار أن الحصيلة في صفوف حاميته لم تزد عن عشرة شهداء و٥ أسرى، فيما نجا الباقون في الخروج خلال احتدام المعارك وقصف الطيران.
موضوع: مسلحو المعارضه في منغ ونشوه الانتصار المفقود 
:D