تحدثنا فيما سبق عن خطورة اللحن على لغتنا العربية وعلى اللسان العربى كما أشرنا إلى شيوع الأخطاء النحوية فى التحدث والكتابة ، وقدمنا تطبيقات على أخطاء كتابية شائعة وصوبناها أثناء ذلك ، ونوالى تناول القضية ذاتها.
ومن تراثنا العربى الزاخر بما هو قوى وخالد من الأفعال والأقوال نبدأ إحياءنا للدعوة إلى الالتزام باللسان العربى الذى هو لسان لغة القرآن الكريم ، والذى تكرر التأكيد فيه على عروبة النص القرآنى فى إحدى عشرة آية باشتقاقين (عربيا - عربى ) نقرأ ذلك فى قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) سورة يوسف الآية 2 وقوله ( قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) سورة الزمر الآية28 ، كما نقرأ قوله تعالى (وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا ) سورة الأحقاف الآية 12 . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بفصاحته ولغته القوية مثار إعجاب لصحابته - رضوان الله عليهم - فسأله عمر بن الخطاب - رضى الله عنه -يارسول الله ؟مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا ؟ فقال كانت لغة إسماعيل قد درست فجاء بها جبريل عليه السلام فحفظنيها فحفظتها وكانت توجيهاته عليه الصلاة والسلام مؤكدة لضرورة تجنب اللحن والحفاظ على اللسان العربى القويم فقد سمع رجلا يلحن فقال ؟أرشدوا أخاكم ، وفى رواية آخرى أرشدوا أخاكم ، فإنه قد ضل وهكذا فإن الخطأ فى اللغة واللحن فيها هو ضلال يستوجب الإرشاد والتصويب ، كما يفهم عن الحديث الشريف.
ونجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يؤكد على تعلم اللغة العربية والالتزام بها فيقول تعلموا العربية فإنها تثبت القلوب وتزيد فى المروءة وقد أخطأ كاتب أبو موسى الأشعرى فى رسالته إلى أمير المؤمنين . فكتب عمر إلى أبى موسى أن قنع كاتبك سوطا وأخر عطاءه سنة .
وهكذا ضرب الفاروق عمر مثالا فى عقاب المخطئ فى اللغة حسيا وماديا على أن النحاة يجيزون قولك من أبو ...على الحكاية وعلى المعنى ...لكن القصة السابقة مثال فى حرص ولاة الأمور على لغتنا التى لها من المكانة الدينية ما يستوجب الحفاظ عليها . والالتزام بها
ولذا يقول فقهاء الحنفية للعربية فضل على سائر الألسن ، وهى لسان أهل الجنة من تعلمها أو علمها غيره فهو مأجور . ويقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله - إن اللسان العربى شعار الإسلام وأهله واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر فى العقل والخلق والدين ، تأثيرا قويا بينا ، وأن اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب لأن فهم الكتاب والسنة فرض ، ولا يفهم إلا بالعربية ،وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
وللأهمية المتقدمة للغة العربية والتى أكدناها فيما تقدم كان من الضرورى أن يسايرها تمسك الأجيال الحالية بلغتهم الأم لكننا نجد بين حين وآخر من يهاجم لغة القرآن العظيم ، ويدعوا إلى استبدال الحروف العربية بحروف لاتينية وكذلك نجد دعاوى باستخدام العامية أو اللهجات الإقليمية بدلا منها ودعاوى أخرى بالتخفف من القواعد النحوية والإملائية ، ورغم أن هذه الدعاوى المضللة وجدت لها صدى فى بعض البلدان واستجابت لها بعض الهيئات فإن هناك من تنبهوا إلى خطورتها وحذروا منها ..لكنك رغم ذلك تجد انتشار الألفاظ العامية بصورة مخيفة فى المؤسسات التعليمية ،وفى وسائل الإعلام بشتى صورها
كما نجد كثرة الأخطاء النحوية التى تصك الآذان وتدمى الأفئدة فى أحاديث المتكلمين باللغة العربية الفصحى ومما يؤسف عليه أنها ترد من أناس يفترض فيهم الحرص على سلامة اللفظ وصحة الإعراب .
كما تجد كثرة الأخطاء الإملائية فيما هو مكتوب وما أكثر ما يقع الخطأ عند الكتابة بين الهاء المربوطة وبين همزتى الوصل والقطع وكذلك بين أنواع الهمزة متوسطة ومتطرفة ، فتتم الكتابة بطريقة خاطئة مما يؤثر على فهم المعنى .
كما نرصد كثرة الألفاظ الأعجمية التى طغت فى وسائل الإعلام وفى اللافتات وأسماء الشركات والمحلات مما يعنى هجر الكثيرين لما هو عربى وتفضيل البديل الأجنبى معتقدين أن هذا أحد مظاهر المدنية والتحضر والأمثلة أكثر من أن نحصيها من شواهد تؤذى العين العربية على أن الخطورة الحقيقية فى أن الأطفال الصغار يرون هذه الألفاظ الآن ،ويتعايشون معها وينطقونها وعندما يكبرون يعتقدون أنها ألفاظ عربية أصيلة ، ويبحثون لها عن مشتقات صرفية !!
كما نجد فى كثير من البلاد العربية العمالة غير العربية التى تعمل فى الأسواق والمحلات والمصانع وكذا فى المنازل وهؤلاء تسمع منهم عبارات ركيكة عجيبة وتراكيب لغوية بعيدة كل البعد عن عربيتنا الفصحى والخطورة كذلك فى أبنائنا الذين يصحبوننا إلى تلك الأماكن أو يعيش هؤلاء معهم فلا يسمعون إلا هذه العبارات الركيكة ، ويتأثرون بها حتى نتنازل قليلا عن عروبتنا ، وتخاطبهم بنفس عباراتهم لعلمنا أنه من المستحيل أن تعلم هؤلاء اللغة العربية ، فرأينا أن التنازل أيسر وأسهل حتى عم الضعف وأنتشرت الركاكة ... وإنك لتحزن عندما يقال لك أن بعض الناس يتعلمون لغة الخدم كى يستطيعوا التعامل معهم ؛ وكى تقضى لهم شئونهم
على أننا فى أرضنا .
وتشخيصنا لما تقدم من مظاهر الضعف اللغوى ومظاهر الابتعاد عن اللسان العربى تجدنا فى حاجة إلى وضع العلاج وتقديم الحلول ....وهذا ما سنناقشه فى المقال القادم إن شاء الله .
لكننا نقدم مزيدا من الأخطاء النحوية الشائعة موضحين تصويبها خدمة وتعاونا مع طلاب الجامعة ومع الحريصين على مستوى الصواب اللغوى من غيرهم .
1- يقولون طبقت أربع اختبارات واستخدمت ثلاثة أدوات
والصواب طبقت أربعة اختبارات واستخدمت ثلاث أدوات-
2- يقولون يساهم البحث فى كذا
والصواب : يسهم البحث فى كذا ؛ لأن الفعل اسهم يسهم ..أما يساهم فمعناها يقترع (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)
3- يقولون سواء كان شفوي أو تحريري
والصواب: سواء كان شفويا أو تحريريا
4- يقولون بطريقة ذا معنى
والصواب: ذى معنى
5- يقولون أصبح هناك مهارتين أساسيتين .
والصواب: أصبح هناك مهارتان أساسيتان.
6- يقولون والطلاب هم الذين يقوموا.
والصواب: .والطلاب هم الذين يقومون
7- يقولون إن للبيئة دور مهم
والصواب: إن للبيئة دورا مهما.
8- يقولون باعتباره كل متكامل
والصواب: باعتباره كلا متكاملا.
9- يقولون ليكون مثالاواقعى
والصواب: ليكون مثالا واقعيا
وتجنب هذه الأخطاء مهم لاستقامة الكلام ، ووضوح الدلالة لدى المتلقى والوصول إلى مستوى الإجادة اللغوية أو إلى شيء من الضبط اللغوى فى التحدث والكتابة .
والله نسأل التوفيق والسداد .
د/ أحمد عبده عوض
ورئيس قناة الفتح الفضائية الدعوية
كلية التربية - جامعة أم القرى
جريدة منارالجامعة - العدد الثامن عشر
الموافق 1/12/1415
موضوع: اللسان العربى بين الإلتزام واللحن 2